رغم تحول عدد كبير من أعمال «نجيب محفوظ» إلى السينما والدراما، بعضها أكثر من مرة، بخلاف المشروعات المنتظرة، فإن هناك تفاوتاً فى وعى صناع الدراما بمضمون هذه الأعمال، وهو ما يعد بحسب النقاد المعيار الأهم عند النقل من وسيط النص المكتوب إلى الدراما، ومنذ البداية أعلن أنه غير مسئول عن الأعمال الدرامية المأخوذة عن كتاباته، فيما يشبه حالة من التبرؤ منها، طالما أنها خرجت عن نطاقه، كما أنه رفض أيضاً أن يكتب أى سيناريو لأى عمل درامى سيعالج إحدى رواياته، فى حين أنه كتب عدداً من السيناريوهات لنصوص كُتاب آخرين.
قالت، أستاذة النقد الأدبى الحديث بأكاديمية الفنون، إن هذا النهج كان لاحترامه للتوليفة الروائية والسردية التى يصنعها، ولخوفه أن تفقد أعماله أبعادها الفكرية العميقة التى كان يُحسن تذويبها فى كل التقنيات الكتابية التى كان يُصهرها فى العمل الروائى أو القصصى، مشيرة إلى أن هذا الموقف كان نقيضاً لما فعله «إحسان عبدالقدوس» فى قضية تحويل أعماله الروائية لأعمال درامية، فلقد كان يتابع خطوات هذه المعالجات خطوةً بعد الأخرى، كما أنه كتب بعض النصوص الروائية خصيصاً من أجل تحويلها مباشرة لأعمال سينمائية.
«أماني»: حققت له مستويات عالية من نسب القراءة
وأضافت «أمانى» لـ«الوطن»: «لقد تنوع مستوى الأعمال الدرامية التى أُخذت عن كتابات محفوظ السردية، فبدا بعضها بمستوى فنى متميز، فجميعنا لن ينسى (ميرامار، بداية ونهاية، الطريق، ثرثرة فوق النيل، القاهرة 30»، وعدداً من الأعمال الجيدة الأخرى، كما ظهر بعض المعالجات أكثر ميلاً إلى الفكر التجارى فى المعالجة، بحجة أن جمهور السينما يذهب منتظراً للتوليفة الفنية التى صنعها المخرج حسن الإمام فى الثلاثية على سبيل المثال، لكن المؤكد أن جميع المعالجات الدرامية باختلاف مستوياتها قد أفادت نجيب محفوظ، وصنعت له شعبية واسعة ومستويات جيدة من نسب القراءة».
وأشارت إلى أنه يُعرض الآن على مسرح «البالون» نص مسرحى، مأخوذ عن رواية «زقاق المدق»، وأتصور أن تلك المعالجة ربما السادسة أو السابعة لهذه الرواية، فلقد تحولت لمسرحية، وعدد من المعالجات السينمائية فى مصر والمكسيك، كما أنها قُدمت مسلسلاً إذاعياً وتليفزيونياً، متابعةً: «فإن لم تكن نصوص محفوظ قادرة على الدفع بهذا الثراء فى عوالم الفنون البصرية، القائمة على فكرة المشاهدة، لم يكن صناع الدراما سيقبلون عليها بهذا التكرار والإصرار، فلقد وظّف جميع تقنيات السنيما فى الكتابة ببراعة، من زوايا الكاميرات، والمونتاج، والموسيقى الداخلية، وذبذبة إيقاع الأحداث، وصنع عالم لكل شخصية من شخصياته فى الكتابة، ومن ثم وهبت أعماله لصناع الدراما مادة ثرية ومعطاءة».
وقال الناقد الفنى محمود عبدالشكور، إن «هناك اختيارين عند تقدم العمل الفنى المأخوذ عن عمل أدبى، إما الإضافة إلى النص والتحاور معه، أو تقديمه بطريقة كلاسيكية كما هو، المقياس هو وعى صناع الأعمال الفنية، وهو الفيصل فى تقديم عمل جيد، فهناك تفاوت كبير فى الوعى لدى صناع الأعمال فى القدرة على الاحتفاظ بمغزى ومضمون النصوص عند تقديم الأعمال الفنية المأخوذة عن أدب نجيب محفوظ، خاصة أن محفوظ له أكبر عدد من الأعمال بعد إحسان عبدالقدوس، خصوصاً أن بعض الأعمال تحتوى على أسئلة فلسفية عميقة».
«عبدالشكور»: الفيصل هو وعي صُناع العمل.. وسوء الفهم وارد كما حدث في «نور العيون»
وأضاف «عبدالشكور» أن هناك مجموعة من الأعمال كانت أكثر وعياً بنصوص نجيب منها «بداية ونهاية» لصلاح أبوسيف، و«اللص والكلاب» لكمال الشيخ، و«ميرامار»، وإن اختلفت الرؤية بين النص المكتوب والفيلم، مؤكداً أن المقياس لا يكون فقط بالحفاظ على روح نجيب محفوظ، ولكن قد يكون بالتفاعل الخلاق معها، أو وجهة نظر، أو رؤية إبداعية تتحاور مع النص، لكن الفيصل هو وعى الكاتب، وقد يحدث سوء الفهم أحياناً، حتى إن السيناريست وحيد حامد لم يكن راضياً أبداً عن فيلم اسمه «نور العيون»، وهو مأخوذ عن قصة قصيرة لنجيب محفوظ، لأنه حدثت فيه تغييرات كثيرة غير موفّقة، كما أن هناك أعمالاً أقل بكثير من أصلها على رأسها «الثلاثية» عندما قدمت فيلماً، فقد ظلم الرواية. وأشار الناقد الفنى إلى أن هناك نضجاً كبيراً فى بعض الأعمال مثل فيلم (قلب الليل) لعاطف الطيب، وأعمال محسن زايد المأخوذة عن أدب محفوظ، أو فى فهم القضية والتعبير عنها فى فيلم (أهل القمة) سيناريو مصطفى محرم، وعلى بدرخان، و(الحب فوق هضبة الهرم)، لمصطفى محرم وعاطف الطيب.
التعليقات